الترجمة

أي دور للمساعدين الاجتماعيين في مرافق العدالة؟


ذ/ محمد إكيج
باحث في قضايا الأسرة
المعهد العالي للقضاء
عملت وزارة العدل والحريات في السنتين الأخيرتين على تعيين مجموعة من المساعدين الاجتماعيين والمساعدات الاجتماعيات في عدد من محاكم المملكة، بلغ مجموعهم حتى الآن أزيد من مائة وعشرين فردا. وذلك بغرض إدماجهم في أقسام قضاء الأسرة وخلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، والمحدثة بكافة محاكم المملكة بموجب دورية وزير العدل المؤرخة في 31 ديسمبر 2004 والتي أوكل بموجبها للنيابة العامة القيام بمهام التنسيق بين مجهودات الخلية بالمحكمة وباقي القطاعات الحكومية الممثلة بكافة مدن المملكة وكذا هيئات المجتمع المدني.
ولا شك أن الأمر يعد خطوة إيجابية تنم عن مدى شعور القائمين على شؤون الوزارة بأهمية الخدمة الاجتماعية في مرافق العدالة، وقدرتها على إيجاد حلول بديلة أو مساعدة لكثير من القضايا المعروضة أمام المحاكم، خصوصا ما له صلة بالمجال الأسري.
  مهام المساعدة الاجتماعية في خلايا التكفل القضائي بالنساء والأطفال
  وحرصا من الوزارة على تفعيل دور المساعدة الاجتماعية في المحاكم، وخاصة في خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف بالنيابة العامة، أصدرت مديرية الشؤون الجنائية والعفو دليلا عمليا "للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء والأطفال"، تضمن بالخصوص جردا عاما لمجمل المهام التي ينبغي أن تقوم بها المساعدة الاجتماعية في تلك الخلايا، وتتمثل في:

- استقبال النساء والأطفال ضحايا العنف والأطفال في وضعية صعبة والأطفال في وضعية مخالفة للقانون والأطفال في وضعية إهمال، وتقديم الدعم النفسي لهم،
- الاستماع لكل من المرأة والطفل وتعريفهم بالحقوق التي يخولها لهم القانون،
- توجيه الأطفال والنساء الضحايا إلى وحدات التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف بالمصالح الطبية، لتقديم العلاج والحصول على الشهادة الطبية ومصاحبتهم عند الاقتضاء،
- تتبع وضعية المرأة والطفل ومواكبة مسار التكفل القضائي بقضاياهم،
- القيام بناء على أمر قضائي أو إذن من وكيل الملك بالإجراءات التالية:
o إنجاز أبحاث اجتماعية، ورفع تقارير بشأنها إلى الجهة التي أمرت بها،
o زيارة أماكن إقامة الضحايا من النساء والأطفال، وإنجاز تقارير بشأنها،
o تفقد أماكن إيواء الأطفال والنساء وإنجاز تقرير بذلك،
o تفقد أماكن إيداع الأطفال بكافة المؤسسات وإنجاز تقارير بذلك،
- الإسهام في تعزيز التنسيق بين مكونات الخلية القضائية للتكفل بالنساء وكافة الشركاء المعنيين بمسار التكفل،
- القيام بمهمة المقرر في أشغال اللجان المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، وإنجاز تقارير بخصوص اجتماعات هذه اللجان،
- ضبط الإحصائيات الخاصة بهذه الخلايا وتدبيرها معلوماتيا داخل المؤسسة القضائية،
- تدبير الشؤون الإدارية للخلية القضائية، ومسك السجلات الخاصة بذلك، تحت إشراف رئيس كتابة الضبط أو رئيس كتابة النيابة العامة.
سجلات العمل
  ومن أجل تسهيل مهام المساعدة الاجتماعية لتدبير الشؤون الإدارية للخلية، تم إحداث مجموعة من السجلات تخص كل نوع من القضايا التي تشتغل عليها الخلايا، يبلغ عددها 18 سجلا موزعة حسب المحاور التالية:

- سجلات للعنف ضد النساء
- سجلات للعنف ضد الأطفال
- سجلات خاصة بالأطفال في وضعية مخالفة للقانون
- سجلات خاصة بالأطفال في وضعية صعبة
- سجلات خاصة بالأطفال في وضعية الإهمال

وتوظف هذه السجلات في تجميع كل المعطيات والشكايات والمحاضر والأبحاث المتعلقة بالتكفل بالطفل والمرأة، كما أنه من شأنها المساعدة في تسهيل الولوج إلى المعلومات المتعلقة بهذه القضايا، فضلا عن ميزتها في ضبط الإحصائيات وتيسير معالجتها معلوماتيا.

مهام المساعدة الاجتماعية في أقسام قضاء الأسرة

إذا كانت مهام المساعدة الاجتماعية في خلايا التكفل القضائي بالنساء والأطفال، واضحة ومحددة بشكل دقيق سواء على مستوى الإجراءات أو أدوات العمل، فإن مهامها في أقسام قضاء الأسرة لا تزال "مبهمة" أو غير مفعلة بشكل إيجابي، ومساهمة منا في إغناء هذه التجربة الجنينية للمساعدين الإجتماعيين بمرافق العدالة، وانطلاقا من التجربة العملية المتواضعة بقسم قضاء الأسرة، أرى أن المساعدين والمساعدات الاجتماعيين يمكنهم القيام بالمهام التالية:

- المساعدة في إنجاز مسطرة الصلح الأسري في قضايا الطلاق والتطليق، نظرا لما يتوفرون عليه من مؤهلات وتقنيات في مجال الاستماع والتواصل.. خاصة وأن هذه المسطرة لا تمارس في أغلب أقسام قضاء الأسرة بالكيفية المرضية التي توصل إلى النتائج المبتغاة، نظرا لكثرة الملفات المنظور فيها من طرف القاضي، وكذا التدخلات السلبية لأفراد العائلة الذين يكلفون في الغالب بإجراء محاولة الصلح بين الطرفين، وغياب الاستعداد النفسي والذهني لدى الزوجين...
وتجد هذه المهمة سندها القانوني في المادة 96 من مدونة الأسرة التي تنص على إمكانية إجراء بحوث إضافية للصلح بالوسيلة التي تراها المحكمة ملائمة، إذا اختلف الحكمان في مضمون التقرير أو تعذر عليهما إنجازه في المدة المحددة لهما.

- تتبع وضعية الطفل المكفول، فقد أسند المشرع من خلال قانون كفالة الأطفال المهملين (رقم 15.01 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 172.02.1 بتاريخ فاتح ربيع الآخر 1423هـ/ 13 يونيو 2002) مهمة متابعة ومراقبة أحوال الطفل المهمل المتكفل به، ومدى قيام الكافل بالتزاماته نحو الطفل، لقاضي شؤون القاصرين، إلا أنه ثبت عمليا أن هذه العملية معطلة أو شبه معطلة في عموم أقسام قضاء الأسرة، نظرا لغياب الأداة الفاعلة التي من شأنها القيام بهذا الدور، أو لعدم تحريكها في غالب الأحيان إلا بناء على ما يرد على قاضي شؤون القاصرين من شكايات أو تظلمات ممن له غيرة على مصلحة ذلك الطفل، ولعل الأحداث المؤلمة لطفل مراكش سنة 2009 خير شاهد على ما نقول..
وهنا يبدو أن المساعد الاجتماعي إن أسندت له هذه المهمة بناء على أوامر قاضي شؤون القاصرين يمكن أن ينهض بها كاملة، وتصبح عملية المراقبة والتتبع فعالة، وليس مجرد حبر على نص قانوني !!.

- المساعدة في زيارة المحضون، تنص المادة 180 من مدونة الأسرة على أن زيارة المحضون واستزارته حق مكفول بقوة القانون لغير الحاضن، بينما تكفلت المادتان 181 و 182 من نفس المدونة ببيان كيفية زيارة المحضون بين الزوجين المنفصلين.. إلا أن الأمر من الناحية الواقعية غالبا ما يكون محل نزاع وعراك بين الطرفين واتخاذ المحضون أداة للإضرار بهذا الطرف أو ذاك.. مما يتطلب كثرة التردد على المحكمة لاستصدار أوامر استعجالية من رئيس المحكمة قصد مصاحبة مفوض قضائي لمتابعة تنفيذ هذا الأمر، ولاشك أن هذه العملية فيها جهد ومشقة بالغة لجميع الأطراف..
وبما أن المادة 172 من المدونة تنص على أن "للمحكمة، الاستعانة بمساعدة اجتماعية في إنجاز تقرير عن سكن الحاضن، وما يوفره للمحضون من الحاجيات الضرورية المادية والمعنوية"، أو بمعنى آخر تحديد الوضعية الملائمة لعيش المحضون، فإننا نرى أن لا ينحصر دورها فيما قبل مرحلة إسناد الحضانة وما تتطلبه من إعداد مادي ومعنوي، بل ويمتد إلى مرحلة الحضانة ذاتها، نظرا لما يكتنفها من إشكالات عدة ومنها التحايل في ممارسة حق زيارة واستزارة المحضون، وذلك بالتنصيص في قرارات إسناد الحضانة – مثلا – على ضرورة اللجوء إلى المساعدة الاجتماعية في حال وجود أي صعوبة في ممارسة هذا الحق، وتخويلها إمكانية اتخاذ القرار المناسب بالتنسيق مع من له سلطة القرار في قضاء الأسرة أو النيابة العامة.

- إنجاز بحوث بخصوص زواج القاصرين، خول المشرع في المادة 20 من مدونة الأسرة لقاضي الأسرة المكلف بالزواج إمكانية الإذن بالزواج للفتى أو الفتاة دون سن الأهلية القانونية للزواج (18 سنة)، وذلك بعد الاستماع للقاصر وأبويه أو نائبه الشرعي، مع الاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
ونظرا لغياب مساعدين اجتماعيين تابعين للمحاكم، فقد جرى العمل في عموم أقسام قضاء الأسرة على الاقتصار على إجراء خبرة طبية لتحديد مدى قدرة القاصر أو القاصرة على الزواج، ومعلوم أن التقرير الطبي لا يتعرض إلا لما هو فيزيولوجي أو بيولوجي، وهو مؤشر لا يفيد إلا في معرفة أثر الزواج على القدرة الجنسية والصحة الإنجابية للقاصرة، وهي مسألة جزئية في الحياة الزوجية وليست كل الحياة الزوجية. ومن ثم فإن إجراء البحث الاجتماعي، المشار إليه في المادة بصيغة الاختيار، أساسي وضروري ليستكمل قاضي الأسرة المكلف بالزواج كل المعطيات المتعلقة بهذا الطلب، وليؤسس قراره بشكل سليم.
وعليه، وبما أن المحاكم أصبحت تتوفر على مساعدات اجتماعيات في أقسام الأسرة، فإنني أقترح تعديل العبارة الواردة في المادة 20 كما يلي: "... مع الاستعانة بخبرة طبية و إجراء بحث اجتماعي"، أي تغيير صيغة الاختيار، بصيغة العطف، وجعل البحث الاجتماعي إلزاميا قبل إصدار أي إذن بزواج قاصر أو قاصرة.

مقترحات ختامية

إن نجاح هذه التجربة الجنينية في مرافق العدالة، رهين بتوفر عدد من المعطيات التشريعية والتدبيرية والتكوينية، يمكن إجمالها في النقط التالية:
- ضرورة تعديل المنظومة التشريعية المرتبطة بعمل المساعدة الاجتماعية (مدونة الأسرة، المسطرة الجنائية...)، وذلك بالتنصيص على ضرورة وإلزامية أبحاثها في كل ما هو فني اجتماعي، قياسا على الخبرات الفنية في المجالات الدقيقة مثل الطب والهندسة والميكانيك...
- ضرورة اقتناع المسؤولين القضائيين والإداريين بالأدوار المنوطة بالمساعدين الاجتماعيين في المرافق القضائية، وهذا يتطلب من وزارة العدل إصدار مناشير ومذكرات لهؤلاء المسؤولين تحثهم فيها على ضرورة تكليف هؤلاء المساعدين والمساعدات الاجتماعيين بالمهام والوظائف التي من أجلها وظفوا في مرافق العدالة، و بمعنى أوضح تجنب إسناد مهام ووظائف كتاب الضبط للمساعدين الاجتماعيين..
- ضرورة تنظيم دورات تكوينية مشتركة، بشكل دوري أو حتى سنوي، بين قضاة النيابة العامة وقضاة أقسام قضاء الأسرة والمساعدين الاجتماعيين، لمدارسة منهجية العمل وتوحيد الرؤى والتصورات حول بعض أدوات العمل (التقارير، البحوث، المحاضر، تقنيات الاستماع،....).
- عدم إثقال كاهل المساعدين الاجتماعيين بالأعمال الإدارية، لأن ذلك من شأنه أن يحيد بهم عن القيام بمهامهم الاجتماعية بكيفية ناجعة،، ولعل كثرة السجلات المحدثة لعملهم في خلايا النيابة العامة، فضلا عن القيام بمهام المقرر في أشغال اللجان المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، وما يتلوه من إنجاز تقارير بخصوص اجتماعات هذه اللجان، مؤشرات دالة على ما نقول!!.
- ضرورة الاستمرار في توظيف المزيد من المساعدين الاجتماعيين في مرافق العدالة نظرا لكثرة القضايا التي تتطلب تدخلهم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق